الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: الجباية وكبار المهرّبين والـمـهـن الـحــــــــرّة

نشر في  13 أفريل 2016  (12:31)

انّ ما يجدر التذكير به، هو انّ تونس في خطر بسبب المديونية المفرطة التي خصصت اجزاء منها لتلبية مطالب الزيادة في الأجور والمنح، اضافة الى ما قبضه المنتفعون بالعفو التشريعي العام.. لقد صارت تونس ومازالت أشبه ببقرة حلوب ينعم  العديدون بحليبها حتى لو كان الحليب مستوردا! لقد باتت بلادنا تعيش على المديونية لارضاء رغبات عدد من التونسيين ما انفكت تتزايد وتتنوّع علما ان الأجيال المقبلة هي التي ستكون مسؤولة عن ارجاع الأموال للبنوك والحكومات الأجنبيّة التي سلمتنا قروضا بشروط!
واليوم، أمام عجز الميزانية وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية،  على أيّ عاقل ان يتساءل:«هل يمكن توفير 5000 أو 6000 مليار اضافية للدولة التونسية لتجنب المديونية المفرطة ولتنمية الولايات التي وقع تهميشها وتمكين الجيش والأمن من تجهيزات ومعدّات أكثر تطوّرا لمكافحة الارهاب؟».

بعد تغير النظام ظهرت طبقة جديدة من الأثرياء تتألف من كبار المهرّبين، تمتلك ما بين 15 و25.000 مليار من مليماتنا لا يدفعون عنها ولو مليما واحدا لخزينة الدولة ولا يمارسون واجبهم الجبائي.. والملاحظ ان كبار المهرّبين لهم علاقات وطيدة مع عدد من السياسيين النافذين ومع بعض الأحزاب المؤثرة، مما جعلهم يتمتّعون بنوع من الحصانة.
والمؤلم في الأمر، هو انّ أموالهم الحرام لم «تنتفع» بها الحكومة التونسية  رغم أنّها على علم بأسمائهم وأنشطتهم وهذه المسألة في منتهى الخطورة إذ بات وضعنا أشبه بـ«دولة المافيا» التي تضرّ ـ حتما ـ بالاقتصاد التونسي ولم تحرّك ساكنا في الحرب التي نخوضها على الارهاب وذلك بإيداع قسط هام من أموالها في البنوك أو بتقديم أموال لدعم الحرب المذكورة أو على الأقل التعامل مع الأمن التونسي من خلال مدّه بمعلومات عن تحرّكات الارهابيين عبر الحدود ومخازن أسلحتهم.. وبكلّ صراحة أعتقد أنه لا يمكن حمل كبار المهرّبين على التعامل مع «الفيسك» والأمن الاّ بقرار سياسي حازم لكن كبار الأحزاب غير مهتمّة بالتأثيرات السلبية لـ«الدولة المافيوزية» الناشئة التي اخترقت مراكز القرار.
أمّا المهن الحرّة التي ترفض الخضوع للواجب الجبائي فهذا أمر لا يقلّ خطورة لأنه من غير الأخلاقي ان يؤدي العامل أو الموظف واجبه الجبائي في حين يتهرّب عدد معلوم من أصحاب المهن الحرة (أطبّاء، تجار، محامون، اصحاب مطاعم، أصحاب المقاهي الفاخرة، رجال أعمال)، من دفع الضّرائب كاملة، وفي الوقت نفسه تراهم يتحمّسون للقضاء على الارهاب ويطالبون بإنارة الشوارع والتمتّع بماء الصوناد وبالنظام التعليمي المجاني وبتدخّل الأمن كلما احتاجوا اليه، فضلا عن الخدمات الجيّدة في المستشفيات وغيرها من المرافق الحياتيّة، وهنا لابدّ من التذكير بأنّ 80 ٪ من الموارد الجبائيّة للدولة التونسية متأتية من الاقتطاع من مداخيل الأجراء!
واذا كان امتناع بعض أصحاب المهن الحرّة عن المساهمة في الخزينة العمومية مسألة عقليات وقضية تمدّن بالأساس une question de civisme، لابدّ من الاقرار بأنّ عددا هاما من المحامين والأطبّاء الشبان يعانون من ضعف المداخيل وهم يمرون بأزمات مالية حادّة.. وفي هذا السياق أشار بعض الخبراء الى ان التهرب الجبائي للمهن الحرة يناهز 8.000 مليار من مليماتنا وهو ما يمكن اعتباره مصيبة كبرى لأنّ التخلي عن دفع الضرائب يعمق تداين تونس ويزيد في تأخّر الولايات التي أقصيت من التنمية!
وفي الأيام الأخيرة شاهدنا بعض النقابات المهنية تعلن رفضها للإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية وذلك بتعلة الحفاظ على السرّ المهني او تحت مبررات غير مقبولة ولا مقنعة علما ان اصحاب هذه المهن تصدّوا في الماضي لحملهم على دفع الضرائب كاملة وهددوا بالاضرابات وسخروا اصدقاءهم داخل السلطة للدّفاع عن مصالحهم الضيّقة!

واليوم، وبكل وضوح، اذا أردنا ان تقوم كل الفئات بواجبها الجبائي هناك نقاط لابدّ من توضيحها:
1) هل قامت حكومتا الترويكا بتعويضات خيالية لمن انتفعوا بالعفو التشريعي العام بعد ان ناضلوا من أجل حزبهم فقط وأغرقتا بذلك الصناديق الاجتماعيّة؟
2) ما هو نمط النمو الذي اختارته الحكومة؟ هل هو رأس مالي وحشي؟ هل هو  ليبيرالي؟ هل هو مزيج بين العدالة الاجتماعيّة والليبيرالية؟ فإلى يومنا هذا لم تحدد الحكومة أو مجلس الشعب نمط النمو تاركين رأس المال الوحشي وكبار المهرّبين يتملّصون من واجبهم الجبائي..
3) هل ان الحكومة مستعدة للضغط على مصاريفها والتقشف؟
4) هل انّ الحكومة مستعدّة لتخصيص قسط هامّ من المداخيل الجبائية للتنمية في الولايات المهمّشة  وفي التشغيل والثقافة؟
5) ما هو مشروع المجتمع الذي يطمح الشعب لإقامته؟
انّ الواجب الجبائي مرتبط ايضا بهذه الأسئلة علما انّ العمال والموظفين وضعفاء الحال والطبقة المتوسطة سيواجهون أوضاعا أصعب بعد ان تخضع الحكومة لاملاءات المؤسسات البنكية العالمية!
إنّ تونس بحاجة الى طبقة سياسيّة لها رؤية وبرنامج يمزج الاجتماعي بالاقتصادي وبمناخ يشجّع على الاستثمار لكن «الله غالب»...